حمى كتابة المذكرات السياسية أصابت الجميع الوزراء السابقين النجوم المغمورين كل من هب ودب تحول إلى مؤرخ لتاري

تصوير,الوزراء,الأولى,النقل,صلاح

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
د. يمنى أباظة تكتب:  من يكتب تاريخ مصر؟

د. يمنى أباظة تكتب:  من يكتب تاريخ مصر؟

حمى كتابة المذكرات السياسية أصابت الجميع، الوزراء السابقين النجوم، المغمورين، كل من هب ودب تحول إلى مؤرخ لتاريخ مصر، لكن من يكتب التاريخ الحقيقى دون تحيزات؟ نحن نبحث عن هذا الشخص الأمين حاليا، فمصر خلال الفترة الماضية مرت بمرحلة من أهم مراحلها التاريخية، فمن الذى سيكتبها بصدق للأجيال المقبلة لتعرف ما الذى قدمه رجل بطل يدعى عبد الفتاح السيسى؟ هل سيكون الخونة وأعوانهم؟ أم من؟ وأى وجهة نظر تلك التى ستسود؟ 

من الذى سيكتب، هل المغامرون وأصحاب المصالح ودعاة الثأر السياسى أم باحثون متخصصون موضوعيون يرصدون الماضى بكل أبعاده وزواياه، متى ستكون الكتابة عادلة؟ وإلى مدى تكون الفضائح الشخصية مدخلا للحكم بفساد أو انحراف نظام بعينه؟ وما الضوابط التى تكفل كبح جماح المذكرات السياسية التى تساهم فى تعميق أزمة الثقة والانتماء لدى قطاعات عريضة؟  مثلا الحقبة الناصرية تحولت بقلم اعتماد خورشيد إلى مجرد ليالٍ حمراء وغرف نوم ومنحرفين وشواذ وساقطات وحفلات سمر ومغامرات وهتك أعراض، وتحول جمال عبد الناصر من زعيم مصرى إلى شخص ضعيف يقع فى غرام الفتاة اليهودية، وتحول المشير عبد الحكيم عامر من رجل عسكرى والذراع الأيمن للرئيس عبد الناصر إلى مجرد عاشق لنجوم الإغراء فى السينما والطرب، وتحول صلاح نصر من رئيس جهاز المخابرات إلى رجل متفرغ لحفلات الشذوذ والسهر الجنسى ومطاردة العاهرات، ولم تكن مذكرات فنانة الإغراء برلنتى عبد الحميد أقل تزييفا للتاريخ وتحولت فيها حقبة بأكملها إلى مؤامرات ناصرية ضد المشير زوجها، وتحول عبد الناصر إلى مجرد رجل أدمن لعب الكوتشينة ومشاهدة أفلام الحركة.  كذلك مذكرات السيدة جيهان السادات، حرم الزعيم الراحل أنور السادات، جاءت وفقا لهوى شخصى، حيث تجاهلت دور ضرتها السيدة إبال ماضى وبناتها فى حياة السادات، إذن من يكتب تاريخ مصر؟ لا بد من منهج حقيقى لكتابة التاريخ واعتباره المصدر الأهم والمعتمد، والمذكرات الشخصية تختلف فى ذكر الحادث الواحد، لأنها تعتمد على الذاكرة والذاكرة ليست قوية والكاتب عادة يجهدها لاستخراج المعلومات والدليل على ذلك أنك لا تجد إنسانا كتب مذكراته واعترف بارتكابه خطأ، كما أنه يعمل على تصوير نفسه بطلا ولذلك لا يجب أن نأخذ التاريخ منهم. 

التاريخ لا يكتبه سوى المؤرخ وكتابة التاريخ حرفة لها أدوات وأصول يجب أن يملكها الكاتب، والمذكرات ليست تاريخا ولكنها أحد المصادر وليست المسألة مجرد سرد للحوادث وإطلاق أحكام تقديرية من وجهة نظر خاصة، فالتاريخ يجب أن يكون موضوعيا ويجب لفهمه من تحكيم للظروف الموضوعية التى صنعت الحدث وليس تحكيم ذات الباحث وإن كان رمزا فى الحدث ذاته.  التاريخ علم ذو قواعد وأركان وأسس ولا يكتبه إلا باحث محترف، والمذكرات الشخصية ليست كتابة تاريخ بل مصدر من مصادر التاريخ وهى ليست أهم المصادر، وكثير من المذكرات تحمل النزعة الشخصية ونزعة الدفاع عن النفس ولأغراض معينة، ولكن هناك مذكرات تصدر بدون غرض، مثل مذكرات سعد زغلول، الذى كتب لنفسه وبدون غرض لذلك ليس لدى المؤرخ ما يحمله على الشك، فيها أو فى أغراضها، وهناك مذكرات أقرب للذكريات التى يكتبها السياسى بعد سنوات طويلة من حياته وهى مذكرات دفاعية بالدرجة الأولى مثل مذكرات المرحوم الدكتور محمد حسين هيكل وهذه المذكرات لا يمكن النقل منها مباشرة ولكن بعد التحقيق، وهناك مذكرات تجمع بين اليوميات والمذكرات مثل مذكرات عبد اللطيف البغدادى التى كتبها يوميا، وأصدرها فى شكل مذكرات بعد تحويرها بالحذف والإضافة، ولذلك من الضرورى التأكد منها.

وهكذا يجب أن نكون أمناء على التاريخ وأن نكون أكثر صدقا، فالتاريخ ليس ملكا لأحد، ولكنه ملك للمستقبل وللأجيال المقبلة التى يجب أن تعرف الحقيقة مجردة من أى أهواء، والمرحلة الحالية لا بد أن يضعها المتخصصون والباحثون المتجردون من أى أهواء.